لقاء الرواية الليبية

كتب الكاتب والإعلامي "يونس الفنادي" عبر صفحته على "الفيسبوك" تغطية حول اللقاء الثقافي بمختبر السرد والدراسات النقدية الذي انتظم يوم الاثنين 2016.11.28 في كلية اللغات بجامعة طرابلس، وجاء في تغطية "الفنادي":

حضرتُ صباح اليوم اللقاء الثقافي بمختبر السرد والدراسات النقدية الذي انتظم في كلية اللغات بجامعة طرابلس وموضوعه (الرواية الليبية: تاريخ.. نقد.. تجربة) مستضيفاً الدكتور الصيد أبوديب أستاذ مادة الأدب العربي الذي يعود إليه الفضل في توطين الأدب الليبي في الدراسات الأكاديمية الجامعية، وتشجيع الطلبة على الاطلاع ودراسة الأعمال الليبية الإبداعية ونقدها، والدكتورة فريدة المصري أستاذة الأدب العربي بالكلية، والأديب محمد عياد المغبوب للحديث عن تجربته الروائية.

استمتعت كثيراً بما عرضه الدكتور الصيد أبوديب من توضيح موثق وسرد إحصائي وتاريخي لمشوار الرواية الليبية، وحسم بما عرضه من إصدارات قديمة أحضرها من مكتبته الخاصة، الجدل التأريخي المتعلق بصدور أول رواية ليبية، أهي رواية (مبروكة) للمرحوم حسين ظافر بن موسى أم رواية (اعترافات إنسان) للراحل محمد فريد سيالة؟

الدكتورة فريدة المصري قدمت قراءة سريعة سجلت فيها عدة جوانب فنية تتعلق بالزمن والبيئة في الرواية الليبية من خلال استعراضها لعدة روايات أبرزها (حقول الرماد) للدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، و(لافية) للدكتور على عبد المطلب الهوني، ورواية نجوى بن شتوان وإبراهيم الكوني كذلك. الدكتورة فاجأت الحضور باستعمالها مصطلحين هما (الكونيولية Colonial، والايكولوجية ( Ecological   والتي تعني بهما ( زمن الاستعمار) و(الظروف البيئية) على التوالي، وهو ما جعلني أتسأل طالما أن المرادف العربي موجود وقد استخدمته هي نفسها في نفس النص الذي كتبته فلماذا استحضار المفردة الأجنبية بجانب مثيلتها العربية؟ هل نعده إثراء للغة العربية أم غزواً فكرياً؟ أم تضميناً للمصطلح الفني المتعارف عليه في النص المكتوب؟

الأديب محمد المغبوب اعترف في حديثه أنه بارع في تأطير الكذب في عمله الإبداعي في حين أنه صادق مع الله ونفسه. وهذا الاعتراف يقصد به قدرته على توظيف الخيال في إنجاز عمل إبداعي لا يمثله ولا يمثل الواقع أحياناً، فيبعث فيه حيوات وشخصيات متعددة تشد القارئ، وهنا تكمن الملكة الابداعية. وأضاف بأننا يجب أن نصف غرفة النوم بلغة غرفة النوم وليس بلغة صالة المعيشة!!

للأسف المغبوب خيّب الظن في حديثه فكان مثل الإيطاليين الذين يتحدثون كثيراً ولكنهم لا يقولون شيئاً. بمعنى أن المغبوب تحدث طويلاً ولكنه لم يتكلم عن تجربته الخاصة في كتابة العمل الروائي.. لا عن قراءاته ... ولا عن بداياته.. ولا عن طقوسه ولا عن بعض الخصوصيات التي تظل تعتبر مهمة ومفيدة للدارس والنقاد في ربط العلاقة بين النص وسلوكيات مبدعه، وطبعاً هذا يتفق تماماً مع ما ذكره في بداية حديثه بأن الليبيين لا يحبون الحديث عن أنفسهم ويشمئزون ممن يتحدث عن نفسه كذلك.

في مداخلتي القصيرة أبديت ملاحظة حول ما نراه في هذا العصر بأن الإبداعات المختلفة بدأت تتجاوز مصطلحها الفني التقليدي للجنس الإبداعي بحيث صرنا نجد رواية تتألف من بضعة سطور، ومسرحية من فصل واحد أو ممثل واحد، وقصة قصيرة جداً "أقصوصة" وغيرها.. مما يتطلب إيجاد أدوات نقدية أدبية تتماشى مع هذه الأطر الفنية المستحدثة. وفي ختام مداخلتي رجوت أساتذة الأدب في الجامعات الليبية وخاصة الدكتور الصيد أبوديب والدكتورة فريدة المصري بتدريس طلبتهما روايتين ليبيتين هما: رواية (يوميات زمن الحشر) للأديب صالح السنوسي، ورواية (صراخ الطابق السفلي) للدكتورة فاطمة الحاجي باعتبار أن الفضاء المكاني لهذين العملين هو الحرم الجامعي في بنغازي وطرابلس، ولما يبرزانه من معاناة وتضحيات الطلبة الجامعيين أثناء فترة النظام السابق، وما يقدمانه عمل روائي ناضج يتأسس على تقنية سردية معتبرة وحبكة درامية تستحق الدراسة والنقد الموضوعي وفق المناهج الأكاديمية الجامعية.

أزعجتني المداخلات الاستعراضية من بعض الأساتذة الجامعيين الحاضرين التي ابتعدت كثيراً عن محور النقاش حول الرواية الليبية وطوحت بنا في التاريخ والجنوب وفرنسا ونقص السيولة وغيرها، فأهدرت وقت الحاضرين وكان غرضها بكل أسف هو ممارسة هواية الحكي لا غير. فمتى نتخلص من مثل هذه الشطحات التي لا تضيف لموضوع النقاش وتسرق الوقت الثمين لكل الحاضرين.

أشكر الصديق العزيز الدكتور الصيد أبوديب على حديثه العلمي الشيق والمثمر الذي استفدتُ منه كثيراً وخلصتُ إلى هذا الرسم البياني من واقع البيانات الببيولوغرافية التي قدمها اليوم خلال حديثه عن الرواية الليبية. كما أن شكري موصول للصديق والأديب محمد المغبوب الذي أثار العديد من الأسئلة الجدلية في فضاء مختبر السرد تظل مهمة حتى وإن حادت بعيداً عن موضوع تجربته في الكتابة الروائية. والشكر للدكتورة فريدة المصري على دعوتها الكريمة وجهدها لتحريك النشاط الثقافي، كما أن الشكر موصول للدكتورة هدى تامر عجاج على إدارتها اللقاء باقتدار والشكر لكل الحضور الكريم الذين شاركوا واستمعوا. على أمل أن يتواصل الجهد التوثيقي والبيوليوغرافي للإبداعات الليبية الذي بدأته الأستاذة أسماء الأسطى في مجال القصة القصيرة، ثم الصديق العزيز عبد الله مليطان من خلال معاجمه الثلاثة، وكذلك الدكتور الصيد أبوديب من خلال إصداره (معجم المؤلفات الليبية المطبوعة في الأدب الحديث) الصادر عن مجلس الثقافة العام سنة 2006 وخصني فيه بشكر خاص.

مصدر: الصورة من صفحة مختبر السرد والدراسات النقدية على الفيسبوك.

التعليقات